٧/١٦/٢٠٠٨

أنا عميل


تصبب العرق من جبيني وأنا اجًر قدماي في تثاقل عجيب بعد رحلة عمل شاقة ذهابا وإيابا مستكملا ما بقي لي من أمتار قليلة وصولا إلي منزلي العزيز آملا في أن آخذ قسطا وفيرا من النوم العميق الذي أحتاج اليه بشدة مستغرقا في التفكير في أصناف الطعام التي سوف أجدها في المنزل و .......

- " يا أخ .. يا أستاذ .. يا كابتن "
قطع سيل أفكاري نداء أحدهم وهو يحاول لفت انتباهي إلي شئ ما ، التفت وأنا أنظر إليه في إرهاق

- " خير ..في حاجة "
- " معلش ، هو مش حضرتك بتصلي معانا في مسجد ال.... "

- أجبته في قلق : " أيوه ...خير ..ايه اللي حصل "

- " أبدا ..أصلي شفت صورة حضرتك في الدستور من فترة ولسه محتفظ بيها لغاية دلوقتي "

بدأت ملامح القلق ترتسم علي وجهي وأنا أسئله مستغربا : - " أنا ؟؟!!! "

- " أيوه ..انتا "
- " وأنا ايه اللي هيجيب صورتي في الدستور "

- " ما هو ده اللي كنت عايز اكلم حضرتك فيه ... "

بدأت علامات الإرهاق في الاختفاء تدريجيا وحلت محلها علامات الانتباه والدهشة وأنا أنصت اليه جيدا

- " من فترة لقيت صورة حضرتك نازلة في الدستور والمصور مركز عليك قوي ...وبعدها بأيام لقيت صورة صاحبك (م.س) نازلة في جريدة المصري اليوم وبرضه المصور مركز عليه قوي ..فصراحة لقيت من واجبي اني أنبهك وأعرفك باللي بيحصل حواليك "

ثم التفت يمينا ويسارا وهو يقول في همس :
" انتا شايف ان الموضوع ده جه صدفة "

انعقد حاجباي في توتر وأنا اقول :" أكيد صدفة ... "

التفت يمينا ويسارا مرة أخري وهو يقول :
" لا مش صدفة طبعا ...أكيد في جهة ما ليها مصلحة في كده وهي اللي أوزعت للمصورين دول انهم يصوروكم وينزلو صوركم في الجريدة "

ارتسمت علي وجهي علامات الدهشة وانا أقول :
" وايه مصلحة الجهة دي يعني في كده ؟؟ وبعدين انا عايز اعرف صورتي كانت نازلة تبع خبر ولا في الوفيات ولا ايه بالظبط "

- " لا كانت نازلة ضمن خبر ...انتا لو مش مصدقني قابلني العشا في المسجد وأنا هاجيبلك معايا الجرنال "

- " خلاص باذن الله معادنا العشاء ..بس انا متعرفتش علي حضرتك"
- " أنا م.د دكتور بشري "


تركت الرجل وانصرفت وأنا أقلب في رأسي الأحداث والتواريخ لأتذكر أي شئ بخصوص هذا الأمر ... ولكن للأسف لم تسعفني ذاكرتي نهائيا .

تناسيت الموضوع بعد دخولي المنزل واستولي الطعام علي ما بقي من عقلي واستعددت تماما لرحلة طويلة مع النوم ، أغمضت جفناي واسترخيت واتسغرقت في نوم عميق .........
استيقظت علي صوت أذان المغرب فنفضت النوم من عيناي وأنا انهض من علي الفراش لأستعد للصلاة

- " يآآآآآآآآآآه عندي معاد بعد صلاة المغرب "

توضأت وارتديت ملابسي في عجلة ، اسرعت في النزول من المنزل لألحق بالصلاة ..

أنهيت صلاتي وشعرت بطمئنينة وراحة بعد الصلاة ، نهضت من جلستي لأجده ..انه هو ينتظرني في جانب المسجد توجهت اليه ملقيا السلام ثم تذكرت موعدي
- " اسف ..مش هقدر اقابلك العشا ..أصلي خارج دلوقتي عندي معاد مهم "
وجدته ينظر اليً في ثقة وهو يقول :
- " أنا كنت متاكد ان هما مش هيخلوك تقابلني العشا... علشان كده جبتلك الجرنال معايا دلوقت علي أمل اني أقابلك "

اندهشت من طريقة تفكير الرجل وأنا أساله : " هما مين دول .. دانا خارج مع واحد صاحبي "
- " مش هيا دي المشكلة تعالي أفرجك علي الصور "

اخذنا جانبا في المسجد وهو يفتح مجلد كان معه يحتفظ فيه ببعض أوراق الجرائد القديمة ، تناول إحداها وهو يفتحها في بطئ ويشير الي الصورة : - " ها ...مش دي صورتك برضه "
كانت الصورة تكتظ بالبشر وأنا اقف في الخلفية علي أحد سلالم نقابة المحامين ... يآآه اني أتذكر ذلك اليوم
- " أيوه دي فعلا صورتي ... ده تقريبا كان في مؤتمر علشان حصار غزة "
تناول الورقة الأخري وهو يفتحها ويشير الي أحدهم في الصورة : - " مش هيا دي صورة م.س "
تمعنت في الصورة وأنا أقول : - " فعلا دي صورته .. ده تقريبا كان في معرض الكتاب "

- " صدقتني بقا .. "
- " صدقتك يا سيدي ..بس الموضوع عادي يعني ، الصورة فيها ناس كتير واللي صورها كان قصده ياخد صورة للحدث "
- " ازاي ده المصور مركز عليكو انتو الإتنين وبعدين مش شايف ان صورتك انتا وهو تطلع في جريدتين ورا بعض دي مش غريبة "
- " ايه المشكلة ..دي مجرد مصادفة "

صمت الرجل قليلا وهو ينظر إليً ثم أردف قائلا :
-" علي فكرة زي ما صوروكوا انتو الإتنين بيصورونا دلوقتي واحنا واقفين مع بعض وبيسجلوا كل كلمة قلناها ... أنا بقولك كده علشان اعرفك اللي بيحصل حواليك وان انتا متراقب مش انتا لوحدك ، كلنا متراقبين ..أنا مش باقولك كده علشان تفضل تبص حواليك وانتا ماشي ولا يجيلك (بارانويا)- ده تقريبا مرض نفسي – أنا بقولك كده علشان أنا شايف ان من واجبي اني اعرفك "

- " خير ... علي العموم متشكر جدا لاهتمامك ، أستاذنك علشان مستعجل شوية "

تركت الرجل وانصرفت وأنا في قمة الإندهاش من طريقة كلامه واسلوبه في التفكير وما هي الا بضع خطوات حتي وجدته ينادي عليً مرة أخري :
- " يا أستاذ ... معلش ثانية واحدة "
- " يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم ... نعم يا سيدي ايه تاني "
- " أنا مش عايزك تثق فيا وانتا مش مطالب بده زي ما أنا بالظبط مش لازم أثق فيك "
- " ومثقش فيك ليه ان شاء الله ؟ "

- " علشان أنا ممكن اكون عميل ....
"

تسمرت في مكاني من شدة الصدمة وأنا احاول أن استوعب الموقف ولكنه لم ينتظر فأكمل كلامه:
- " أيوه ممكن أكون عميل لجهة ما ...وهيا اللي خلتني أعمل كده أو ممكن مكنش عميل لكن هما يبعتولك واحد تاني يعمل معاك نفس الموقف وانتا تثق فيه زي ما وثقت فيا دلوقتي ... أنا بحذرك بس "

تركني الرجل وانصرف ... وأنا غير مستوعب للموقف و....


-" السلام عليكم ...أزيك يابني عامل ايه ؟؟ "

كان هذا صوت خالد صديقي قد وصل للتو في تلك اللحظة التي غادر فيها اخينا هذا

- " ................"

- " ايه يابني ماالك متنح كده ليه ؟؟"

-" هه .. أنا ؟؟ "

- " أيوه انتا أنا بكلم نفسي يعني ؟؟ "

- " آسف يا خالد مخدتش بالي ... "

- " مخدتش بالك ايه ؟؟ مالك شكلك مش عاجبني ...خير في حاجة "

-" لا أبدا أصل حصل معايا موقف غريب دلوقتي ومش عارف أوصل لنتيجة "

- " موقف ايه ده ؟؟ "

- " بص يا سيدي .................."


وما ان أنهيت كلامي الا ودخل خالد في وصل ضحك غير طبيعية .....


- " لا حول ولا قوة الا بالله ....بتضحك ليه يابني ؟؟ "

- " ههههههههه... أصل انتا متعرفش "

- " معرفش ايه ؟؟!! "

- " الراجل ده يا سيدي من ضحايا وزارة الداخليه "

-إزاي ؟؟ مش فاهم "

- " بص يابني ...الراجل ده أنا اعرفه من زمان ...ده راجل محترم جدا بس الله يجازيهم ولاد الحرام ...جم أخدوه في يوم من فترة كبيرة وطبعا شاف اللي عمره في حياته ما شافه ومن ساعتها ونفسيته تعبت علي الآخر وجتله هوسة وبقا يتخيل ان هو متراقب علي طول وان هما حواليه في كل حتة "


- " آه عنده برانويا يعني

- بالظبط

- الا قولي بقا ؟؟ تطلع ايه بقا البرانويا دي ؟؟