١٠/٢٧/٢٠٠٨

منح ربانية



لازلت معكم ... أقلب صفحات قلبي بهدوء ، أقص عليكم ما هو مكتوب فيها من مشاعر وأحاسيس

أوشكت تلك الصفحات أن تنتهي قبل أن تبدأ ...

بالظبط كما أوشكت تجربتي أن تنتهي قبل أن تبدأ ...

تجربة عشتها بكل ما فيها من سعادة وحزن ، ألم و فرح ...

ولكن علي قدر ما عانيت .. علي قدر ما تعلمت

وإنما تأتي المنح من قلب المحن

أحمد الله علي كل لحظة مرت علي خلال هذه التجربة ،غير نادم علي خوضها ... رغم الألم النفسي ولكني سعيد لأقصي درجة ولو عاد بي الزمان وخيروني أن أخوض هذه التجربة أم لا ، فسوف أختار أن أخوضها دون تردد ..

لا تستعجبوا ، فإذا عُرف السبب ..بطل العجب ... وهذه هي الأسباب


تعلمت فيها الصبر:
كم هو جميل أن نعرف معني الصبر ، وكم هو أجمل أن تتحقق فينا هذه الصفة ..ولكن الأروع أن نوضع في محك عملي لنمارس ما عرفناه و تعلمناه وأيقنا به ..
ولعل هذه التجربة قد وضعتني علي أول درجة من درجات ذلك الخلق الجميل .. الصبر



تعلمت فيها التوكل والتفويض:
كلنا يعلم أن من حسن التوكل علي الله الأخذ بالأسباب ، ولكن وسط تسارع الأحداث قد ينسي البعض أن الله هو مسبب الأسباب وأنه هو من بيده مقاليد الأمور ، فيتعلق القلب بالأسباب أكثر من تعلقه برب الأسباب .
حينها تغلق في وجهك جميع الأبواب ، وتدور بك الدوائر ، وتنقطع عنك الأسباب ..
فلا تجد غير باب مولاك وخالقك كي تلجأ اليه.. وتقف بين يديه .. وتشكي له حالك وتناجيه وتدعوه بصدق وإخلاص .. وتحسن الظن به ... وتعلم علم اليقين أنه وحده القادر علي أن يدبر لك أمورك وييسر لك أحوالك.. فيستسلم قلبك لله
فيستسلم العبد تماماً إلي مولاه وخالقه ويفوض أمره اليه ويوكله في تدبير شئونه ويقف بين يديه وقفة العبد الضعيف الذليل وهو يقول
" يارب ..فوضت أمري اليك ، يا حي يا قيوم يا من بيده مقاليد الأمور دبر لي فإني لا أحسن التدبير "
ويترك نفسه تماما لقدر الله يوجهه كيف يشاء وكما يشاء ...


تعلمت فيها الرجاء والدعاء:
كم كنت مقصرا في تلك العبادة العظيمة .. الدعاء ، لكم أشعر بالندم الآن علي كل اللحظات التي ضاعت مني ولم أخصص فيها وقتاً للدعاء ولمناجاة الله
عندما تتدبر في كل الآيات التي وردت في الدعاء تجد أن الله عز وجل يرغب عباده في أن يدعوه ويلحوا عليه في الدعاء ، بل ويعدهم بالإستجابة أيضا:
يقول الله تبارك وتعالي :
" أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"
" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ "
" وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ "
وليس هناك دعاء أصدق من دعاء الشدة ... دعاء المضطر .. دعاء المكروب
احساس مختلف ولذة مختلفة حين تقف بين يدي خالقك وتدعوه وترجوه أن يفرج عنك ما أنت فيه ..وتلتمس أوقات الإستجابة وتلح عليه في الدعاء



تعلمت الرضا بقضاء الله :
أكثر ما كنت أخشاه في تلك التجربة .. أن يأتي قضاء الله فلا أرضي به
وكلما تعقدت الأمور .. كنت أقف مع نفسي وقفة وأسألها اذا جاء قدر الله مخالفاً لهواك حينها ماذا سيكون الحال ؟
لذلك كنت أدعوا الله كثيرا أن يرضيني بقضاؤه .. فأتقبل القدر دون سخط أو تذمر.
وأحمد الله أن وفقني إلي ذلك فشعرت أن الله قد ألقي في قلبي السكينة والطمأنينة ، بل علي عكس المتوقع كنت أشعر بالفرح الشديد رغم أن من حولي كان يشعرون بالحزن من أجلي.
ولن انسي تلك الليلة التي جاءني فيها قدر الله ... فلقد نمت مرتاح البال مطمئن النفس أكثر من أي ليلة مضت .



نقطة التغيير .. حين تفهم الرسالة:
كلنا يمر في حياته بمواقف أو أشخاص أو تجارب تكون نقطة تغيير في حياته ... تلك هي إحدي الرسائل التي يرسلها الله الي عباده
رسالة ذات مضمون ومغزي ..اذا استطعت أن تفهما جيدا وتستوعب ما فيها من معاني ..تكون تلك هي نقطة التغيير
لا أكون مبالغاً حين أقول أن هناك تغيير كبير حدث في حياتي في تلك الفترة
فهناك أشياء كنت أجاهد نفسي فيها لسنين فتارة أغلبها وتارة تغلبني ولم أستطع تغييرها بسهولة ، ولكن إرادة الله شاءت أن يحدث هذا التغيير خلال مدة قصيرة جدا لا تتعدي الشهر .
وهناك طاعات كنت أتمني فعلها و المدوامة عليها وكنت أجاهد نفسي فيها لسنين ولم استطع المواظبة عليها الا في تلك الفترة الوجيزة... كيف لا أدري
طباع شخصية وأنماط حياة تغييرت فجأة دون سابق إنذار مع أن فكرة تغييرها كانت تبدو لي دربا من الجنون
نظرتي للأمور اختلفت تماما ... وأصبح هناك دائما بعد آخر وزاوية أخري غير التي كنت أراها سابقا
خبرات عملية لم تكن لديً تولدت بفعل تلك التجربة ..


كثيرا ما كنت أفكر في الأسباب الرئيسية التي جعلت فترة هذه التجربة تطول مع أن الله كان قادر علي إنهائها منذ البداية ، واحسست ان الله جعلني اكمل في هذه التجربة للنهاية لثلاثة أسباب رئيسية:

1- أن تكون هذه التجربة نقطة تغيير في حياتي : فأراد الله أن أمر بعملية تنقية مثلما ينقي الحديد من الشوائب بأن يصهر في الفرن فهكذا يكون التغيير دائما بالمحن والإبتلاءات.

2- أن أوقن تمام اليقين أن قدر الله دائما هو الخير : فلو لم أكن قد أكملت هذه التجربة لنهايتها لأري بعيني أن الله قد أراد لي الخير ما كنت لأوقن بذلك .

3- أشعر أن الله قد وضعني في محك عملي استعدادا لما هو أعظم واكبر بالظبط مثلما يأخذ الفرد منا فترة تدريب في أي شركة كبري لكي يستطيع أن يبدأ حياته العملية

في النهاية أشعر بنعم الله التي لا تحصي عليً ، وأحمد الله كثيرا علي ما كان
وأوجه اليكم هذه النصيحة من واقع تلك التجربة التي مررت بها
دائما وأبدا .. حاول أن تجعل المحنة منحة .. حاول أن تجعل من تلك الإبتلاءات طاقة تدفعك الي الأمام ولا تمضي بك الي الخلف
دائما أحسن الظن بالله وتوكل علي الله وتأكد أن قدر الله دائما هو الخير .. والجأ اليه في أوقات الرخاء والشدة ..

هناك تعليق واحد:

صاحب المضيفة يقول...

من الجميل أن يعلم المرء ان هناك حكما ورسائل ربانية تأتي كل حين في واقع حياته


زادك الله حكمة وعلما وفقها


لك كل التحية